حسب اعترافات الجناة الذين تم القبض عليهم لإدانتهم بالعملية الإرهابية التي حصلت في موسكو أن شخصاً دفع لهم مالاً للقيام بتلك العملية، وحسب مقطع بثه موقع لداعش من كاميرا كان يحملها أحد الجناة أظهرت الجناة وهم يقومون بالتكبير، والسؤال هو لماذا قام أشخاص عاديون مسلمون بتلك الجريمة؟ وما الذي جعل ذلك الطرف المجهول الذي تعاقد معهم يعرف أن لديهم القابلية للقيام بهذا العمل الإرهابي، رغم أن حساباتهم لا تتضمن أي اهتمامات إسلامية أو تأييداً للإرهاب؟ وهو نفس السؤال الذي يطرح بالنسبة لغالب من قاموا بعمليات إرهابية، حيث أثبتت التحريات عنهم أنهم لم يكونوا متدينين ولا خلفية لهم في تأييد الجماعات الإسلامية، فما الذي يخلق القابلية لدى أي مسلم لكي يتحول فجاءة من شخص مسالم عادي إلى وحش بشري بلا رحمة؟ الجواب يكمن في حقيقة أن غالب الإرهابيين ليس لديهم وعي فكري ذاتي/مستقل إنما مسيرون بالكامل باللاوعي الجمعي والثقافة الرائجة، واللاوعي الجمعي المعاصر للمسلمين والثقافة الرائجة إسلامياً تمّت قولبتها بعمليات ودعاية الجماعات الإرهابية وهي تخلق القابلية لدى المسلم العادي للتجاوب مع أي فرصة لعمل إرهابي، والسبب هو عدم وجود ثقافة دينية رائجة بديلة ومنافسة تفرض وجودها، وسمات هذه الثقافة الدينية البديلة التي يمكن أن تصبح مسيرة لغالب المسلمين بدل الثقافة الإرهابية تتمثل في مفاهيم مثل سلوك طريق الروحانية واللطف وتزكية وترقية النفس والتفاني بخدمة الله في خلقه بأعمال التطوع والبر والإحسان والإغاثة والمساعدة والدعوة، ولهذا هناك حاجة للوعي بأهمية تكريس قالب بديل للثقافة وللاوعي الجمعي الإسلامي ليسير من لديهم قابلية للتجنيد للإرهاب ويخلق بهذا حصانة لديهم ضد الإرهاب، وهذا يتطلب حملة إعلامية دعائية مكثفة وعالمية بالإضافة لأعمال فنية تصب في تكريس قالب المسلم الروحاني المسالم المشغول بنفع الخلق ورحمتهم، وكثافة إنتاج بعض الدول الإسلامية للأعمال التاريخية عن الشخصيات الحربية ليس بصالح المسلمين حالياً لأن الإرهابيين عندما يقومون بقتل النساء والأطفال يتوهمون أنفسهم أنهم أمثال الأبطال التاريخيين ويحققون مجداً مماثلاً والأجيال التالية ستصنع عنهم أفلاماً ومسلسلات تمجدهم، فالمسلمون حالياً يحتاجون لأعمال فنية عن رموز طريق السلوك إلى الله بالروحانية والتزكية وخدمة ورحمة الخلق، والمسلسلات التاريخية التي فيها إسقاطات نقدية على الواقع الإسلامي المعاصر لا تفيد في خلق القالب الثقافي الديني البديل لأنها لا تكسب المسلمين أنماطاً بديلة عن الأنماط السائدة في ثقافة التطرف والإرهاب التي تسود المشهد الإسلامي المعاصر، فالنهي عن الأنماط السلبية لا يكسب الناس تلقائياً الأنماط الإيجابية، لذا يجب عرض الأنماط الإيجابية للتدين، ونشر ثقافة «مضادة للتدين» لا يساهم في حل مشكلة الإرهاب لأنها لا تمثل نموذجاً بديلاً للشباب الميال للتدين ولا نموذجاً قابلاً لتحقيق انتشار في المسلمين، فالمطلوب تكريس قالب ثقافي للتدين البديل، وهو موجود بالفعل بالتراث الإسلامي كما بالتراث الروحي الصوفي المعرفي وليس الشعبي، وكتبه توجد تحت تصنيف يسمى «الرقائق»، وكمثال على نوعية الثقافة التي يتضمنها هذا التراث؛ في كتاب مدارج السالكين لابن القيم قصص تنافس الرجال باللطف والحساسية بالخلق ومراعاتهم كما بقصة رجل تأخر بجلب الطعام للضيوف لأنه رأى النمل على خوان الطعام ولم يطاوعه قلبه على قطع أكلهم، ورجل رأى زوجته ليلة العرس محرجة من أن يرى وجهها لأنها مصابة بتشوهات الجدري فتظاهر أنه فقد البصر لعشرين سنة حتى ماتت حفاظاً على مشاعرها، واعتبر هذا التنافس بمراعاة مشاعر الخلق أعلى درجات الأخلاق الدينية ولا يمكن تصور أن خريج مثل هذه الثقافة يمكنه أن يقوم بعملية إرهابية.